تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تاريخ الصحراء

قبل الاستعمار

قبل فرض الحماية، كان المغرب مستقلا وموحدا، يتمتع بكامل السيادة على أراضيه ، وكانت الصحراء تحت السيادة المغربية، كما لم يكن فيها أي كيان منفصل عن المغرب بأي  وجه من الأوجه.

وكانت القبائل تعيش في إطار ما كان يسمى (السيبة). وقد كان سلاطين المغرب يمارسون سلطاتهم من خلال تعيين القياد وممثليهم الشخصيين، ويرسلون ظهائر لقبائل الصحراء ،إضافة إلى روابط البيعة والولاء وتعلق القبائل الصحراوية بملك المغرب.

وتثبت الوثائق التاريخية سواء المغربية أو الوثائق الموجودة في مدريد وباريس ولشبونة ولندن، السيادة التي مارسها المغرب دوما على أقاليمه الصحراوية.

كما كانت الأقاليم الصحراوية المغربية، على مر التاريخ، حاضرة بقوة في الدبلوماسية المغربية، يحدوها الحرص على احترام سيادتها على كامل أراضيها، والذود عنها في أوقات الحروب، وفي وجه التهديدات الأجنبية التي كانت تستهدفها.

من بين هذه الحجج، على سبيل المثال لا الحصر، وثائق تعيين وعزل وكلاء السلطات والموظفين والعسكريين والزعماء الدينيين، وكأبرز دليل على ذلك كون آخر أمير للترارزة في أقصى الجنوب كان قد تلقى ظهير (مرسوم) تعيينه من يد السلطان مولاي عبد العزيز، وفي سنة 1905 كان نفس السلطان مولاي عبد العزيز قد كلف كبير وزرائه الشيخ محمد الحسن بن يعيش بالقيام بجولة تفقدية وصل خلالها إلى الساقية الحمراء ، وأثناء زيارته كان المبعوث الملكي يسلم ظهائر التعيين للقياد والإداريين الذين يتقدمون اٍليه لتأكيد ولائهم للسلطان.

ومن سنة 1898 إلى 1905 اهتم السلطان مولاي عبد العزيز  بتشييد مدينة السمارة مرسلا اٍليها المواد الضرورية للبناء عبر مرفإ طرفاية، وحتى وقت فرض الحماية على المغرب لم تفتأ المملكة المغربية تتلقى الضرائب من هذه المنطقة.

تجب الإشارة إلى إيفاد الأمير العلوي مولاي إدريس بن عبد الرحمان إلى السمارة، ومنها إلى بقية الأقاليم جنوبها، لجمع الإثاوات وتنظيم المقاومة ضد التغلغل الفرنسي من جنوبي السينغال( معارك قادها في تكانت…)
وبالرغم من الاحتلال الإسباني، فقد تم الاحتفاظ بمظهرين من اختصاصات السيادة المغربية وهما: البيعة أي تحرير وثيقة ولاء رؤساء القبائل للملك والتزام الدعاء له في خطب الجوامع والمساجد.

وللمزيد من هذه الحجج يتوفر المغرب على وثائق كثيرة ومتعددة سواء في وثائقه الخاصة أو في وثائق أهم الأقطار الأوروبية.
وعلى عهد الغزو الفرنسي للجزائر كانت المملكة المغربية تمتد على مساحة مليونين من الكيلومترات المربعة، ولم يكن المغرب في أي عهد أو عصر من التاريخ من دون أقاليمه الصحراوية التي كانت أطرافها تمثل حدوده مع اٍفريقيا السوداء.

كما أن المعاهدة المغربية – الإسبانية المؤرخة في 27 نوفمبر 1912، التي أنشئت بمقتضاها منطقة نفوذ اٍسبانية شمال وجنوب منطقة الحماية الفرنسية تقدم الحجة على أن هذه المنطقة كانت تحكم باسم الملك من طرف خليفته على تطوان وباسم العاهل المغربي حكمت اٍسبانيا لا فقط مناطق الشمال والجنوب بل أيضا جميع أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب.

وفيما يتعلق بالحجج والوثائق التي تتوفر عليها الدول الأروبية، فهي تؤكد أن المغرب كانت له سيادته على أراضيه الصحراوية، وبعض هذه الدول ساهم في مؤتمر برلين لسنة  1884 أو في مؤتمر الخزيرات حيث كان يرسم مصير اٍفريقيا، وكثير من هذه الدول كانت قد ساهمت في رسم الخرائط الجغرافية للمنطقة وبالأخص المغرب، وهذه الخرائط وضعت الحدود الجنوبية لمنطقة الحماية الفرنسية على حدود ما كان يدعى آنذاك باٍفريقيا الغربية الفرنسية.

وتكتسي شهادة دولة ألمانيا، على الخصوص أهمية قصوى ولها قيمتها العظيمة، فهذه الدولة كانت آخر دولة أوروبية قبلت فرض نظام الحماية الفرنسية على المغرب، وفي الاتفاق الذي أبرمته ألمانيا سنة 1911 مع فرنسا وضعت حماية سيادة ملك المغرب ووحدة تراب أراضيه شرطين أساسيين لقبولها الحماية الفرنسية. ما يعني أن الأمر بالنسبة للقادة الألمانيين يشير إلى أن ما كان قد تم الاعتراف به سنة 1911 لم يتغير بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بسيادة المغرب على حدوده.وكل الحكومات الأوروبية تعرف حق المعرفة الوضع الناتج عن احتلال المناطق المغربية من طرف إسبانيا، وعلى المغاربة ومن حقهم إذن أن يعملوا على احترام التعهدات التي تعهدوا بها أو تعهدت بها الدول إزاءهم ويفرضوا احترام المعاهدات الدولية التي تعترف لهم بالصبغة المغربية للصحراء المغربية.  

ظل المغرب لفترة طويلة محط أطماع الدول الاستعمارية، نظرا لموقعه الاستراتيجي، وكذا لقربه من الدول الأوروبية، وتمتد هذه الأطماع إلى ما يربو على الأربعة قرون حيث بدأت حركة التجار الإسبان تظهر وتتوسع على السواحل المغربية.

وقد وجدت اسبانيا في معاهدة ” الكوسوماس” المبرمة بينها وبين البرتغال سنة 1479، والتي تسمح لها باحتلال جزر الكناري والجنوب المغربي، خير معين على ذلك. فقد نصت معاهدة “الكوسوماس” على اعتراف البلاط الاسباني بمشروعية تحرك البرتغال لاحتلال مملكة فاس، بينما أقرت البرتغال من جهتها لشريكتها إسبانيا باحتلال جزر الخالدات. وانطلاقا من سنة 1865، شن الإسبان غارات كثيرة على الشواطئ المغربية الجنوبية بهدف الاستقرار واستغلال ثرواتها السمكية والتحكم في حركتها التجارية، فيما كانوا يواجهون أي تدخل من القوى الاستعمارية الأخرى لتلك المناطق.

وإلى حدود 1884، لم تتمكن القوات الاستعمارية الإسبانية من بسط سيطرتها على كامل الأراضي المغربية، واقتصرت فقط على التحكم في المركز التجاري بشبه جزيرة الداخلة، وذلك نظرا لشدة وقوة المقاومة المغربية من جهة وكذا الصعوبات المالية التي كانت تواجهها إسبانيا من جهة  أخرى.

وقد انتظرت إسبانيا فترة طويلة من الزمن، إلى حين حدوث تقارب بينها وبين فرنسا تمثل في إبرام اتفاقيات من بينها، اتفاقية 27 يونيو 1900، التي رسمت مناطق النفوذ لكل من الدولتين في الصحراء، وتم تأكيد مقتضيات هذا الاتفاقية بمعاهدتي 3 أكتوبر1904 و27 نونبر 1912،

حين شرع الإسبان في شن سلسلة من التدخلات في العديد من المناطق المغربية، حيث تمكن الاسبان من احتلال مركز تجاري بطرفاية في سنة 1916، بمساعدة ودعم من فرنسا، وفي سنة 1920 استولى الإسبان على مدينة الكويرة، ولم يتمكن الاحتلال الإسباني من إخضاع كل قبائل الصحراء المغربية إلا في عام 1934، وذلك باحتلال مدينة السمارة، ومنطقة وادي الذهب.

لكن بداية من توقيع معاهدة فاس المؤرخة في 30 مارس 1912، والتي اعترفت لفرنسا باختصاصات إقليمية وإدارية، أصبح المغرب مقسما إلى ثلاث مناطق، الأولى فرنسية، والثانية إسبانية والثالثة دولية هي منطقة طنجة، وقد اعترفت المعاهدة الإسبانية الفرنسية الموقعة في 27 نونبر 1912 لإسبانيا  بالمنطقة التي عرفت بالمنطقة الإسبانية باختصاصات مشابهة لاختصاصات فرنسا تحت سلطة ممثل السلطان الذي كان يعرف بالخليفة، فيما وضع نظام دولي لمنطقة طنجة سنة 1923.وبذلك، أفضى الاحتلال الإسباني الفرنسي الذي ظل يناور لما يزيد عن قرن من الزمن، من إجل إخضاع المغرب، إلى تقسيمه إلى مناطق محتلة في الشمال والجنوب.

إلا أن مقاومة المغاربة للإحتلال تواصلت في كل المناطق والجهات إلى حين ألغيت الحماية الفرنسية بموجب التصريح المشترك  الفرسي المغربي، الموقع في 2 مارس 1956، الذي أعلن أن معاهدة عام 1912 لم تعد تستجيب لمقتضيات العصر، وبمقتضى هذه الاتفاقية استعاد المغرب جل ترابه (الأقاليم الشمالية)، كما أن النظام الخاص بالمنطقة الإسبانية ألغي بدوره بإبرام الاتفاقية الإسبانية المغربية الموقعة في 7 أبريل 1956.

واصل المغرب مسيرة استكمال وحدته الترابية، باستعادته إقليم طرفاية في  فاتح أبريل 1958، وإقليم سيدي إفني سنة 1969، فيما واصل طلبه باستعادة إقليمي وادي الذهب والساقية الحمراء في منظمة الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الإفريقية أو الجامعة العربية، أو حركة عدم الانحياز.

وقد تمكن المغرب من استرجاع أغلب أراضيه بإعمال المفاوضات والتدرج، والسبل السلمية. وكانت هذه حاله دائما مع إسبانيا، غيرأن خصوم المغرب الذين زرعوا بذرة قضية الصحراء، وعارضوا استكمال وحدة المغرب الترابية، عن طريق خلق وتمويل ومساعدة حركة البوليساريو، كانوا قد بيتوا ظروفا مغرضة للمغرب..

فبعد نجاح المسيرة الخضراء، وتمكن المغرب من إبرام اتفاقية مدريد مع إسبانيا، التي أقرت بحق المغرب في صحرائه. عملت الجزائر على خلق حركة البوليساريو، وتمكنت من استضافتها بأراضي تيندوف، مستغلة بذلك خلافاتها مع المغرب حول الحدود المشتركة، فقامت باقتياد قسم من ساكنة الصحراء المغربية إلى مخيمات تيندوف التي سمتها مخيمات اللاجئين الصحراويين، مع العلم أن كل الصحراويين يعرفون أنه خلال  نونبر ودجنبر من سنة 1975،

طلبت البوليساريو من العديد من السكان الصحراويين، الحضور لتجمع بكلتة زمور، وعندما حضروا طلب منهم عقد تجمع آخر ببئر الحلو. وبعد ذلك، طلب منهم الحضور لتندوف من أجل الإيقاع بهم في الشرك، ومحاصرتهم ثم منعهم نهائيا من الخروج، وما زالوا محاصرين هناك إلى يومنا هذا، ممنوعين من التجول، ومراقبين ليل نهار، خوفا من عودتهم إلى وطنهم المغرب.

وعلى امتداد سنوات قضية الصحراء المغربية، استعمل البوليساريو السكان المحاصرين في تيندوف، كورقة ضاغطة في يدهم، لمعرفته أنه لن يكون له وجود إلا بالإبقاء على المحاصرين بمخيمات تيندوف، فوجوده لا يتحدد إلا بإبقاء الحصار وإطالة عمره والاستمرار في خرق سافر لحقوق الإنسان.

في يوم 16 أكتوبر من سنة 1975 أعلن المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه عن تنظيم أكبر مسيرة سلمية في التاريخ مكنت من تحرير الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وقد وضعت هذه المسيرة السلمية حدا لنحو ثلاثة أرباع قرن من الاستعمار والاحتلال المرير لهذه الأقاليم ومكنت المغرب من واستكمال  وحدته الترابية.
فبعد أن بتت محكمة العدل الدولية بلاهاي في ملف المغرب، وجاء رأيها الاستشاري معترفا للمغرب بحقه في صحرائه مؤكدا على وجود روابط قانونية وروابط بيعة متجذرة كانت دائما قائمة بين العرش المغربي وأبناء الصحراء المغربية، أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه عن تنظيم مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء وتحريرها .

وقد جاءت المسيرة الخضراء لتضع حدا فاصلا مع منطق الحرب وأسلوب المغامرة. وحرصا من جلالة المغفور له الحسن الثاني على تجنيب المنطقة حربا مدمرة اتخذ قراره الحكيم القاضي بتنظيم مسيرة خضراء والداعي إلى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار لتسوية النزاعات.

وفي 5 من نونبر سنة 1975 خاطب الملك الحسن الثاني المغاربة الذين تطوعوا للمشاركة في هذه المسيرة قائلا “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطأون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز”.

وقد بلغ عدد المغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء 350,000 مواطن من بينهم 10 في المائة من النساء، من جميع مناطق المغرب، إضافة إلى مشاركة وفود كل  من المملكة العربية السعودية، والأردن، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والسودان، والغابون والسنغال، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وكان اختيار الملك الحسن الثاني لعدد المشاركين المغاربة يساوي عدد الولادات بالمغرب في تلك الفترة.

في الحقيقة لم يكن الأمر صعبا على الملك لإقناع المواطنين المغاربة بالذهاب إلى الصحراء، فالعلاقة الوطيدة بين العرش والشعب و الحب والاحترام اللذان يتمتع بهما لدى أفراد الشعب ارتقى بذلك إلى مستوى الواجب الوطني الكبير، وما كان لقائد آخر أن يتمكن من جمع تلك الأعداد من المتطوعين بسهولة وفي وقت قياسي، إلا أن تكون له منزلة رفيعة في قلوب شعبه، و يحظى بحظ كبير من الحب والاحترام .

لقد تسلح المتطوعون في المسيرة بالقرآن، ولم يُحمل خلالها أي سلاح، تأكيداً على أنها مسيرة سلمية، وانطلقت المسيرة بقدر كبير من الانتظام والدقة والتنظيم اللوجستيكي اللافت، فعبرت المسيرة الخضراء حدود الصحراء، تحت ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، أما إسبانيا فقد عارضتها، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن لمواجهتها، كما أعلنت من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء هي زحف عسكري مسلح، ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية، كما أعلنت أنها قامت بزرع الألغام على مناطق واسعة من الصحراء.

وبعد نجاح المسيرة الخضراء على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي، وتوغل المتطوعين المغاربة في الأراضي الصحراوية المغربية، اضطر الإسبان إلى العدول عن موقفهم المناوئ للمغرب والبحث عن حل لمشكلة الصحراء، فبدأت اتصالاتهم بالمغرب، ما دفع الملك الحسن الثاني إلى إصدار أمره بعودة المتطوعين في المسيرة إلى طرفاية مؤقتاً، حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للمشكلة، وقد ورد في كتاب “ذاكرة ملك”، أن الصحفي الفرنسي إريك لوران سأل الملك الحسن الثاني، في أي وقت بالضبط قررتم وقف المسيرة الخضراء؟ فأجاب جلالته: “في الوقت الذي أدركت فيه جميع الأطراف المعنية أنه يستحسن أن تحل الدبلوماسية محل الوجود بالصحراء”.

وفي 9 نونبر 1975، أعلن الملك الحسن الثاني أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها وطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية.

ومن نتائج حدث المسيرة الخضراء الذي أصبح من العلامات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، قبول إسبانيا إجراء المفاوضات والوصول إلى اتفاقية مدريد الموقعة يوم 14 نوفمبر 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بموجبها دخل المغرب إلى العيون سلميا، وانسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير 1976 قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد الذي كان 28 فبراير.

فيديوهات

A+ A-