لماذا يحظى المقترح المغربي للحكم الذاتي بتأييد المجتمع الدولي؟
منذ طرحه أول مرة على مجلس الأمن الدولي سنة 2007، حظي مشروع الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب لحل النزاع المفتعل في الأقاليم الصحراوية، بتأييد متعاظم للمجتمع الدولي. هذا التأييد لم يأت من فراغ، ولا بمحض الصدفة، بل من مضمون المبادرة نفسها. كيف ذلك؟ المتمعن في رسالة تقديم مشروع الحكم الذاتي، من طرف سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، وبالخصوص نص مشروع الحكم الذاتي، سيقف عند عناصر الجدية والواقعية والمصداقية، التي تميز هذه المبادرة في الشكل كما في المحتوى. فاللغة التي كتبت بها واضحة وشفافة لا إبهام فيها ولا غموض ولا خشب. كما أن مضمونها تميز بانسجامه مع رغبة المنتظم الدولي، ومع أرقى المعايير الدولية القانونية والسياسية المعمول بها. ما يؤكد ذلك قول سفير المغرب في الرسالة التقديمية لهذا المشروع: "إنها مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظر لمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة، أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية. كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدأ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديمقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي. وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها، في مجال الحكم الذاتي. فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، وكما يكرسها دستور المملكة".
بهذه اللغة وبهذا الوضوح وبهذه المبادئ السامية، استطاع المقترح المغربي أن يحصد دعما دوليا متزايدا، خصوصا، أن نص المقترح، لم يقف عند حدود العموميات، بل تطرق إلى مختلف جوانب وإشكاليات النزاع، وقدم الحلول الواقعية والجدية والصادقة لتجاوزها. كما أن بلورة المقترح، لم تتم في مكاتب مغلقة، بل تمت، بفضل مسلسل ديمقراطي واستشارات داخلية واسعة النطاق، تم إغناؤها بمشاورات على الصعيد الدولي.
المتفحص لنص المبادرة، سيتأكد بدون شك، أنها ليست كتابة إنشائية فضفاضة، مدغدغة للعواطف، مستهلكة للشعارات، بل هي مبادرة مفصلة بدقة، ومرقمة في 35 نقطة، تتطرق لمختلف الجوانب، بكل شفافية ووضوح. لقد ذكر المقترح أنه جاء استجابة للدعوة الأممية الموجهة إلى الأطراف ودول المنطقة، من اجل التعاون، للخروج من المأزق وإيجاد حل سياسي. كما أن المقترح، يندرج في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون، والحريات الفردية والجماعية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. بهذه الروح تؤكد المبادرة أن المغرب سيكفل من خلال نظام الحكم الذاتي لكافة الصحراويين، في الداخل والخارج، مكانتهم اللائقة، ودورهم الكامل، بدون تمييز أو إقصاء. إن ذلك سيضمن لهم أن يتولوا بشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم، عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. منها برلمان وحكومة جهة الحكم الذاتي ومحكمتها العليا.
كما أن نظام الحكم الذاتي المقترح، سيوفر لساكنة الصحراء الموارد المالية الضرورية، لتنمية الجهة، في الإدارة والشرطة المحليتين، ومحاكم الجهة. كما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال ميزانية جهة الحكم الذاتي ونظامها الجبائي، سواء من خلال الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية، أو من العائدات المتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة، وعائدات ممتلكاتها، فضلا عن الموارد المخصصة لها في إطار التضامن الوطني. في حين تحتفظ الدولة باختصاصاتها، في ميادين السيادة كالدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.
ولم تقف المبادرة عند هذا الحد، بل فصلت في مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله. فهو سيكون موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء، يكون ممارسة حرة لحقهم في تقرير المصير، طبقا للشرعية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. كما ستصدر المملكة عفوا شاملا، يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو.
ومما يعزز صدقية المبادرة المغربية وجديتها، كونها تقترح على الأطراف بعد موافقتهم عليها، إنشاء مجلس انتقالي، مكون من ممثليها، يسهر على تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه بما في ذلك العمليات الانتخابية.
هكذا يبدو جليا، أن المشروع المغربي، يتوفر على كل عناصر الجدية والمصداقية، التي جعلته يكسب المزيد من التأييد الدولي، المرشح للتوسع أكثر فأكثر، ضمن المنحى التصاعدي، الذي أكسبته الدبلوماسية المغربية بحكمتها واستباقيتها وصدقها، الكثير من النجاعة وقوة الإقناع، في أوساط المجتمع الدولي والرأي العام العالمي.