تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الشعر الحساني

عرف الأدب الحساني نثره وشعره، تطورات وتبدلات عديدة على مستوى شكله ومضمونه، مكنت من تقسيمه إلى قديم وحديث؛ ويتميز كلاهما بطابعه ومميزاته الخاصة. وهنا تجدر الإشارة، إلا انه لم يصلنا من قديمه إلا النزر القليل، نظرا لعدم تدوينه في مراحله الأولى واعتماده على الرواية الشفهية. ذلك لأن فتوة الإنسان في عُرْفِ أهل الصحراء عموما، تقاس بحفظه للأشعار الحسانية، وخبرته في أوزان وبحور الشعر الحساني. وقد ذاع صيت عدد من الشعراء في الجنوب المغربي، وضرب بهم المثل في حفظ الشعر وقريضه.

موضوعات الشعر الحساني

ولا يخفى ما للبيئة الصحراوية وللحياة البدوية بعاداتها وتقاليدها، من أثر على الأدب الحساني شعره ونثره. طبعته بطابعها فجسدها بعمق جمالي بديع، وتمثلها بما فيها من حل وترحال، واقتفاء أثر الواحات والأماكن المعشوشبة والآبار المائية للعيش والمرعى. كما صور كل تفاصيل حياته ووصف دوابه ورحله ومواشيه، كما وصف طببيعته من نباتات ورمال وخيام وحلى وملابس، وما يتخلل حياته اليومية من أفراح وأحزان وحالات عشق وهيام، فرح بازدياد ورثاء لميت، وكذا تعبير دقيق وتصوير رائع لمناسبات أوعادات في مأكل أومشرب، أو إقامة للشعائر الدينية وافتخار بالذات ومدح لكل طيب وذم لكل قبيح. 

لم يكن الشعر حكرا على الرجال بل وجدت شاعرات أبدعن في نظم الشعر بكل موضوعاته، وقد تميزن في لون خاص سمي بشعر "التبراع"، كان موضوعه تغزل النساء بالرجال. وهو شعر حديث العهد نسبيا، مركب من شطرين بنفس الروي (Rime).

للشاعر الحساني حس جمالي عميق وبديهة لغوية عالية، وأذن موسيقية عذبة ساحرة ذات رنة موسيقية تنفذ الى الأعماق. إذ تأتي أشعاره المتجانسة الذوق والخيال وكأنها لوحة فنان يقوم فيها اللسان بدور الريشة، والخيال بدور الورقة والروح هي الألوان. فيتفنن في وصف الطبيعة وقت الأصيل، عند إرسال النظر في أرض نباتية زاهية الألوان. وتلتهب ألوان الصورة وتتجانس أصباغها، وتزداد دفئا وحركة كلما تعلق الأمر بمغازلة النساء في مجالس المسامرة عن طريق الإلقاء دون قيد. وغالبا ما يتم ذلك أثناء التحلق حول راوٍ، على ضوء نار العتمة، يتسرَّون خلالها بالأمثال والأحاجي والنكات وقصص البطولات الخرافية لينسوا تعب يومهم.

 ولأن للعبارة الواحدة في الحسانية معان متعددة ودلالات مختلفة، فإنه يكثر الاحتراز من الوقوع في فخ الكلمات المشحونة بالمعاني والمتشعبة بالدلالات. إذ يقول المثل الحساني: "الحسانية امْعْمْرينْها أهلْ الخْلاَ"، أي الحسانية شحنها الجن، لأن لكل عبارة معان ومقاصد ولكل نظرة حديث ورسالة. وبهذا يبقى النثر أقل أهمية في عرف أهل الصحراء رغم ذلك، إلا ما جاء في باب الأمثال، وتظل القيمة الأكبر للشعر والشعراء و وكذا للمغنين.

برع في الشعر الحساني كثيرون وأخذوا فيه مآخذ شتى رواية وقرضا، فهناك طبقة خاصة بروايته إلى جانب الشعراء وبعض العامة، وهي طبقة المغنين المسماة باللهجة الحسانية "ايكاون". وهم يقومون إلى جانب بعض من الشعراء الحسانيين المبرزين بدور الناقد البصير والحكم العدل لتمييز رديء الشعر من جيده، لما لديهم من خبرة مكتسبة وموهبة خلاقة، فتجد الشاعر يحفظ من شعر غيره أكثر مما يحفظه من شعره. 
     

ويبقى الطرب السائد في الجنوب المغربي على إيقاع "الطبل"، وهذا لون شعبي جيد، له طقوسه وهواته وعازفوه. وقد نسب هذا الطرب إلى اسم آلته المستعملة فيه، أي الطبل. وهو وعاء كبير مصنوع من جذوع بعض الأشجار الصحراوية الأكثر شيوعا. كما يسمى "تازوه" يوضع على فمه قطعة من جلد الماعز أو الإبل أو البقر، تشد شدا وثيقا بحبال وعيدان حتى يصبح له صوت جهوري ضخم، ثم يزركش بالحناء. وتردد على إيقاعات الطبل أجمل الأغاني، وتكون عبارة عن أبيات حسانية بأزوان خاصة. وتسمى ب "الأشوار" او "النحايا"، إذ لكل شور رؤية ولحن خاص به. كما يصاحب العزفَ رقص وحماس، يتبع في تسلسله الغناء على الآلات الموسيقية السالفة. أردين وتيدينيت، لكنه أقل قيودا مما هو موضوع عليهما.
   

وتجدر الإشارة إلى أن الشعر الحساني الذي يُغنى على الآلات يسمى "هول"، والذي ينشد شعرا فيسمى "لغنا"، وأما الذي يغنى على الطبل فهو "اطبل". 

A+ A-